القرطبي

(........- 671هـ)

إذا ذكر مشاهير المفسرين فإن اسم القرطبي من أوائل الأسماء التي تقفز إلى الذاكرة وتتصدر القائمة ولا يزاحمه في التربع على سدة الصدارة إلا القليل فقد كون لنفسه هذه الشهرة المستفيضة والمكانة السامقة في أوساط علماء التفسير بتفسيره ( الجامع لأحكام القرآن ) الذي جمع فأوعى وأغنى عن كتب كثيرة في موضوعه.

وعلى الرغم من أن القرطبي متأخر في زمنه بعض الشيء - إذ عاش في القرن السابع الهجري -  فإن منزلته الرفيعة بين علماء التفسير قديماً وحديثاً باقية ، تشهد بالشموخ والتميز ، وتفسيره الجامع لأحكام القرآن من أكثر كتب التفسير تداولاً بين العلماء المتخصصين لما يتضمنه من توسع في الشرح اللغوي واستشهاد بأشعار العرب وبسط في المعاني ، واهتمام برصد الأحكام الشرعية المستنبطة من الآيات .

نسبه ومولده ونشأته

هو أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي المالكي القرطبي فنسبه يرقى إلى الأنصار من الخزرج وعلى الرغم من أن القرطبي صاحب مؤلفات معروفة حازت الثناء وذو شهرة بين العلماء فإن مصادر ترجمته أغفلت أمرين :

الأول : تحديد العام الذي ولد فيه

الثاني : تحديد المكان الذي شهد مسقط رأسه.

ونستطيع ظناً أن نحدد تاريخ ميلاده بأوائل القرن السابع أو قبله بعشر سنوات فليس من المعقول أن تتاح له فرصة ما ألف من كتب في عمر قصير وخصوصاً كتابه في التفسير الذي يقع في عدة مجلدات كبار

أما المكان الذي ولد فيه فغالب الظن أنه قرطبة لسببين :

أولهما : نسبته إليها .

ثانيهما : تلقيه العلم على شيوخ ولدوا في قرطبة وعاشوا فيها .

ويغلب على الظن أنه أمضى فيها فترة صباه وشطراً كبيراً من حياته وأنه تلقى العلم على كبار علمائها ومشايخها ، فقد ذكر من مشايخه الذين سمع منهم أبو العباس أحمد بن عمير القرطبي صاحب المفهم في شرح مسلم وقد ولد في قرطبة عام 578هـ وقدم على مصر واستوطن الإسكندرية وبها توفي سنة 656هـ.

وقد اضطر القرطبي إلى الخروج من الأندلس بسبب ما سادها من اضطراب وحروب كثيرة في القرن السابع الهجري وتعرض كثير من مدنها وحصونها الإسلامية للسقوط في أيدي النصارى .

عصره

عاش القرطبي في عصر لم تكن فيه الأندلس في أحسن أحوالها فقد تقوضت دولة المرابطين في الأندلس وقامت على أنقاضها دولة الموحدون في حدود عام 540هـ واستمرت في الأندلس نحو ثمانين عاماً ثم قامت دولة بني هود المتوكلية عام 625هـ ودخلت تحت طاعتها مدن أندلسية عديدة مثل مرسية وقرطبة وإشبيلية وغرناطة ومالقة ولكنها لم تستطع أن تثبت أمام هجمات النصارى فانتهت بوفاة مؤسسها ابن هود عام 635هـ وقيام مملكة غرناطة التي استمرت حتى سقوط الأندلس نهائياً في يد النصارى عام 897هـ .

أما مصر التي اتخذها القرطبي موطناً له فكانت تحت حكم الأيوبيين منذ أن أقاموا دولته على أنقاض الدولة الفاطمية عام 567هـ ثم تغلب عليها المماليك البحرية سنة 648هـ بقيادة عز الدين أيبك التركماني.

في هذه الفترة هجم التتار بقيادة هولاكو على بغداد سنة 656هـ وقتلوا الخليفة العباسي المستعصم بالله وقضوا على الدولة العباسية ثم واصلوا زحفهم المدمر إلى بلاد الشام واحتلوا حلب ودمشق وتقدموا في طريقهم إلى مصر فهزموا في معركة عين جالوت الخالدة عام 658هـ في فلسطين بقيادة سلطان مصر قطز والأمير بيبرس البندقداري الذي تولى سلطنة مصر في أواخر عام 658هـ بعد قتله قطز واستمر الظاهر بيبرس سلطاناً على مصر إلى ما بعد وفاة القرطبي عام 671هـ.

دراسته وشيوخه .

درس القرطبي العلوم اللغوية والشرعية التي كان يدرسها طالب العلم في عصره واهتم على الخصوص بالدراسات المتعلقة بالقرآن الكريم والحديث الشريف وخصوصاً التفسير .

قال الذهبي : رحل وكتب وسمع وكان يقظاً فهماً حسن الحفظ مليح النظم حسن المذاكرة .

ومن شيوخه الذين سمع منهم وتلقى عليهم العلم ، أبو العباس أحمد بن عمر القرطبي وقد تقدم ذكره وأبو الحسن علي بن محمد بن علي بن حفص اليحصبي و أبو علي الحسن بن محمد بن محمد البكري .

وروي عنه ولده شهاب الدين أحمد القرطبي.

مناقبه

وصف القرطبي بالزهد في الدنيا والإقبال على الآخرة بالعبادة ونفع الناس بالعلم .

قال الداودي : كان من عباد الله الصالحين والعلماء العارفين الورعين الزاهدين في الدنيا ، المشغولين بما يعنيهم من أمور الآخرة ، أوقاته معمورة ما بين توجه وعبادة وتصنيف .

 آثاره

ذكر للقرطبي مؤلفات مفيدة ، تدل على كثرة اطلاعه ووفور علمه .

قال الذهبي :القرطبي إمام متفنن متبحر في العلم له تصانيف مفيدة تدل على كثرة اطلاعه ووفور عقله وفضله .

من آثاره

1-   الجامع لأحكام القرآن وهو تفسير موسع للقرآن الكريم.

2-   الكتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى . يقع في مجلدين

3-   التذكار في افضل الأذكار.

4-   التذكرة في احوال الموتى وأمور الآخرة . يقع في مجلدين ويعرف باسم التذكرة القرطبية .

5-   شرح التقصي.

6-   قمع الحرص بالزهد والقناعة ، ورد ذل السؤال بالكتب والشفاعة .

7-   أرجوزة جمع فيها أسماء النبي – صلى الله عليه وسلم - .

وفاته

كان القرطبي يقيم في منية بني خصيب في شمالي أسيوط بمصر ، وفيها توفي ليلة الإثنين التاسع من شوال سنة إحدى وسبعين وستمائة من الهجرة . رحمه الله

 

 

أعلى